"

قوة الدعاء من القلب

عبدالرحمن عامر

أخبار فتافيت

قوة الدعاء  من القلب


تعهد الله الرحمن الرحيم باستجابة دعاء الداعيين ومن استعان به. فقد قال (عز وجل) في القرآن الكريم، في سورة غافر، آية 60: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم". تتجلى روعة هذه الكلمات في أنها تحمل معنيين، معنى ظاهر وهو "استعينوا بي وسألبي طلباتكم"، ومعنى باطن وهو "ادعوني وسأجيب الدعوة"، أي أن الله يكون بجانب عباده على الدوام ويكون أقرب إليهم من حبل الوريد كما يقول في كتابه الكريم. ومن ثم يكون الدعاء بغاية التضرع هو طلب يتعهد الله بالاستجابة له، والدعاء بغاية الدعوة هو دعوة الله إلى حياتك وقلبك. فما لايمكنه أن يتصدى لقوة أي منهما أو كلاهما سواء كان مرضاً أو مشاكل ماديةً أو عقماً أو حالات ظلماً وما إلى ذلك.


هناك أمثلة عديدة في القرآن الكريم توضح قوة الدعاء، منها أن النبي زكريا (عليه السلام) الذي لم يكن له ولد، وبلغ من الكبر عتياً، وكانت زوجته عاقراً، إلا أنه آمن بقدرة وقوة الدعاء فدعا ربه أن يرزقه بذرية وحباه الله بالنبي يحيى (عليه السلام).

ينسى البشر بطبيعتهم الدعاء، ولا يقتصر ذلك على العموم منهم وإنما حدث ذلك مع الأنبياء والقديسين، وذلك من خصال البشر أجمع. من أشهر الأمثلة على ذلك ما حدث مع النبي أيوب (عليه السلام) الذي عانى من المرض 7 أعوام، واستحق الثناء على صبره، ولكنه لم يكن ليعاني مدة الأعوام السبعة لو لم ينس أن يدعو الله بالشفاء حتى العام السابع فدعا ربه فاستجاب.


في بعض الأحيان لا يستجيب الله للدعاء. فما معنى هذا؟ هل يعني أننا خارج دائرة رحمة الله تعالى؟ أم أنه عقاب؟ لا بالطبع، لأننا إذا فكرنا بهذه الطريقة، فإننا نشكك في قول الله تعالى الذي تعهد بالقبول، والعياذ بالله، فنجد شرحاً جميلاً في الحديث القدسي يوضح فيه السبب وهو أن الله يحب سماع تضرع عبده، ولذلك لا يبلى الدعاء على الفور كي يسمعه لفترة أطول، وهناك سبب آخر أن الله العليم القدير يعلم ما لا يعلمه عبده، وأنه لم يحن الوقت المناسب لتلبيه دعاء عبده. وأن استجابته لدعاء عبده على الفور، قد يكون شراً له وليس خيراً، ومن ثم وجب علينا أن نستعين بالإيمان والثقة بالله والصبر والدعاء والحقيقة (كما قال ابن عربي) التي بدونها لا يستطيع العبد المضي قدماً في طريقه.

لا شك أن أفضل الدعاء موجود في القرآن الكريم. فمن سور القرآن الكريم ما له فائدة أو فوائد عند قرأتها. على سبيل المثال، من المعروف أن سورة الواقعة تجلب الغنى لمن يقرأها، وأية الكرسي توفر الحماية، وهذا من رحمة الله بعباده الذين لا يعرفوا ما ينبغي قوله عند الشدائد والقدرة على صياغة دعائهم، لذلك منحنا الله أدعية جاهزة، لمساعدتنا في محننا.


يقول الرسول محمد (صلى الله عليه وسم) "الدعاء يرد القدر". يرى البعض أن هذا لا يمكن أن يكون حديثاً صحيحاً لاستحالة تغيير القدر "المكتوب" في اللوح المحفوظ، وتتضح الإجابة في قول الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) عندما استخدم كلمة "القدر" وليس "القضاء"، والقضاء لا يمكن تغييره بأي طريقة بينما "القدر" أكثر مرونة لقدره التأثير عليه بالدعاء إذا أذن الله تعالى. الخطاءون الذين لا ييأسون من رحمة الله، يغيرون قدرهم عندما يطلبون مغفرته تعالى، ويغفر لهم الله حتى في حالة تكرار الخطيئة طالما لم ييأسوا من رحمته وطلبوا مغفرته مراراً وتكراراً، وصور جلال الدين الرومي روعة هذا الأمر عندما قال:

تعال .. تعال

لا يهم من أنت، ولا إلي أي طريق تنتمي

تعال لا يهم من تكون

عابر سبيل ..ناسك ..أو عاشق للحياة

تعال فلا مكان لليأس هنا

تعال حتى إن كنت أخللت بالتزامك وعهدك

ألف مرة

فقط تعال لنتكلم عن الله

تعال .. تعال

إذا لم يدعو الخطاء الله طامعاً في مغفرته، لما غفر الله له.


على الرغم من ذلك، لا ينبغي للمرء أن يخجل من دعاء الله بلغة بسيطة ومفهومة، وينبغي ألا يتصنع المرء في الدعاء أو أن يصيغ الكلام بصورة منمقة وإنما يُعبر عما يكنه في القلب فقط بكل حب، فهو الودود ويستمع إلينا على الدوام سواء أدركنا أم لم ندرك وشعرنا أو لم نشعر أو وثقنا أن لهذا نتيجة من عدمه، ويستجيب الله دعاءك بأفضل طريقة تناسبك حتى عندما تشك أو تيأس من استجابة الله لدعوتك، وينبغي أن يواصل المرء "استدعاء" الله إلى قلبه لأن الله تعالى قال أيضاً لم تسعني السموات والأرض ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن.

فليتقبل الله صالح دعواتنا فهو الرحمن الرحيم ووحده العليم الحكيم.


المزيد من النصائح